تابعت كما تابع الملايين من أبناء الشعب المصري علي مدي الأسابيع القليلة الماضية، مباريات كرة القدم بين فرق أوروبا الأقوي، في منافسة قوية ونظيفة ومبهرة وراقية، للحصول علي كأس الأمم الأوروبية الثالثة عشرة،
وطوال الوقت الذي استطعت اختلاسه لمتابعة هذه المباريات ما أمكن ذلك، كان ينغص علي ويضايقني فيه، عدم استطاعتي كبح جماع عقلي ونفسي في تذكر ما نحن فيه ووضعه في مجال المقارنة والفروق بيننا وبينهم مما جعلني أشعر بإحباط شديد، لأنني أدركت أن المشكلة ليست في فروق تحسب بالفراسة أو بالسنين، بل إن الحقيقة أنه ليس هناك مجال أصلاً للمقارنة! وللإيجاز فإن أكثر ما لفت نظري هو الآتي:
١ - اللعبة التي يلعبونها مختلفة اختلافاً كبيراً جداً عن تلك اللعبة التي نلعبها نحن وينشغل بها الملايين في بلادي وينفق عليها وعلي الإعلام المرتبط بها المليارات، وإن كان اسماهما واحداً وهو «كرة القدم»، وتدق الأسئلة رأسك: لماذا لا يخرج من بيننا شباب علي هذه الدرجة من الصحة والقوة؟ وما سبب ضعف اللياقة بين شبابنا؟
هل هو الفقر أم الجهل بالتغذية السليمة وأصول التربية الجسمانية الصحية أم ... أم.. أم؟ وهل يستحق لاعبونا بعد أن انفضح مستواهم الحقيقي مقارنة بهؤلاء اللاعبين الذين شاهدناهم، تلك الملايين التي تدفع فيهم؟ وهل يستحقون المزايدات والمناورات وتصرفات الوكلاء والمتاجرين الذين يضربون بكل القيم والأخلاق النبيلة عرض الحائط من أجل مكاسب شخصية لا أكثر ولا أقل!
٢ - لا مجال للمقارنة بين أخلاق هؤلاء الناس الرياضية وأخلاقنا.. فلا احتكاك متعمدا، مع احترام تام لقرارات الحكام، ولا اعتراض بأي شكل من الأشكال علي قرار حتي وإن بدا ظالماً أو متحيزاً.. وأتذكر ما يحدث في ملاعبنا عندما يحتسب حكم ما ضربة جزاء علي فريق، في مباراة تافهة ولا قيمة حقيقية لها، وكيف يحيط جميع لاعبي الفريق بالحكم ويتجاذبونه بالايدي وتنطلق من أفواههم جميع أنواع البذاءات، ونري من يهيج الجماهير ومن يضرب خدوده.. إلي آخر ما نشاهده دوماً من انفلات أخلاقي، يغذيه إعلام أحمق جاهل..
٣ - كنت أتابع هذه المباريات علي القمر الأوروبي بإحدي المحطات الألمانية، وعلي الرغم من عدم إجادتي اللغة الألمانية إلا أنني استمتعت بالمباريات أكثر مائة مرة من استمتاعي عند سماع تعليقات السادة المعلقين المصريين..
فالمعلق الألماني قليل الكلام ولا ينطق إلا باسم اللاعب الذي تذهب إليه الكرة ولا يظل طوال الوقت يتكلم ويتحذلق بألفاظ غريبة وتعبيرات سخيفة هزلية من أمثال التمريرة الحريرية، والصاروخ أرض جو، والبقعة السحرية بالملعب واللعبة التي هي الأروع والأجمل والماهر والساحر والمرعب والمتعب..
أكتفي بهذا القدر وإن كان في القلب الكثير.. فقط أقول باختصار ولمن يتاجرون بكلمات مثل ثقافتنا وهويتنا وطباعنا وأخلاقنا... و... و.. عليكم جميعاً بالصمت.. فقد أظهرتنا هذه البطولة الرياضية علي حقيقتنا، فعلي الأقل لنخجل من أنفسنا يا سادة، إن كان لدينا بقية من خجل
